الجواز 'مرهون!
أحمد غراب
من المشاهد التي تهزك من الأعماق وأنت تتأمل معاناة الطلاب
اليمنيين في
الخارج (من غير أبناء المسؤولين طبعا) ، أن تصل الفاقة
والحاجة بهم إلى
الدرجة التي يرهنون فيها جوازات سفرهم لدى أصحاب
البقالات.
وهي ميزة حصرية على الطلاب اليمنيين المبتعثين إلى دول عربية.
أحد
أصحاب البقالات
العرب يقول إنه يتعاون مع الطلاب اليمنيين ويسلفهم مواد
غذائية ويصبر
عليهم شهورا، مكتفيا بأخذ الجوازات منهم ورهنها لديه.
ويضيف
: "وإذا حدث وأراد أحدهم أن يصور
الجواز لأي معاملة فأنا لا أمانع أبدا"
معاناة الطالب اليمني
لا تقتصر على راتبه
الضئيل، الذي يعتبر أقل راتب يتسلمه طالب مبتعث في
العالم، فالطالب
الصومالي يتسلم أضعاف ما
يتسلمه اليمني الذي يبدو أنه رضي بالهمّ
والهمّ
ما رضي به، فالمرتب الزهيد لا يأتيه إلا مادام عليه قائم، بعد
طلوع الروح.
طلابنا في الخارج
أصبحوا يداومون ثلاث حصص في التظاهر أمام الملحقيات والسفارات
اليمنية
في الخارج ، وحصة في المعهد أو الجامعة ؛ وكأن الغاية من ابتعاثهم
إلى الخارج هو التدويخ العلمي وتحقيق أقصى درجات الاكتئاب ، ومراتب
الشعور
بالذل والحاجة!
أي دراسة يمكن أن يحصلها طالب لا يملك صرفة
يومه
، أكلوا رسومه الدراسية ، وما عساه يفعل؟!
هل يترك منحته ويرجع
للبيته وحوله ، ليتسبب
بخيبة ظن لأهله الذين يتباهون به غير مدركين
لمعاناته؟! أحد الطلاب
انقطعت منحته بشكل
مفاجئ بحجة انتهاء المدة، مع أن الجهات المختصة أرسلته
للدراسة
متأخرا وضيعت عليه عاما، فلم يجد أمامه وسيلة سوى اللجوء إلى
والده
الفلاح البسيط، ولم يلبث الطالب أن داهمته حالة اكتئاب، لشعوره أنه
حمّل والده الفقير ما لا طاقة له به، فقرر إنهاء حياته بالانتحار. حتى وهو ميت
لم يجد سفارة أو ملحقية تتكرم -ولو من باب الشفقة والإنسانية- بدفنه؛
اكتفوا
بالاتصال بوالده لإرسال مصاريف نقل جثمانه، فقال لهم: "ادفنوه
عندكم".
ولولا تعاون زملائه لأكلته كلاب الشوارع
في الخارج.
ابتعاث أبناء
المواطنين إلى الخارج لم يعد يجلب همه ، على عكس أبناء المسؤولين
الذين تعتبر المنحة بالنسبة لهم "حج وحاجة ومقضى غرض" ، والذين يرسلون
لأولادهم
حوالات شهرية وتنكات السمن والعسل وشوالات القات المطحون ويشترون
لهم الشقق المفروشة والسيارات الفارهة ، والملحقية تضرب لهم "تعظيم سلام
"